كلمة رئيس مجلس الأمناء
أبدأ هذه الرسالة بتوجيه الشكر لرامي ضاهر للخدمة التي قدمها للمجلس كرئيس لمجلس الأمناء في خلال السنتين الماضيتين، وكذلك ستناي شامي على بناء قواعد صلبة على مر السنين تؤمّن استمرارية هذه المؤسسة الفريدة من نوعها في المنطقة العربية، وتسمح لنا بأن ننظر بعين التفاؤل إلى رسوخ ونمو الشبكة العلمية التي تكونت عبر هذه المبادرة في خلال السنوات السبع الماضية. ولا ننسى طاقم العمل الجدير، الذي يدير يوميات المجلس بدقة وإتقان لإنجاز العمل المطلوب وإزاحة التعقيدات من الطريق.
اليوم، وبعد 7 سنوات من الانطلاقة الرسمية للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، بعد سنوات سابقة من التحضيرات، أرى 3 أولويات للفترة المقبلة: الحفاظ على ما تم إنجازه، وإطلاق المبادرات التي تم نقاشها والموافقة عليها، والتفكير في طموحات مستقبلية قد تتعدى قدرتنا الحالية.
الإنجاز الأكبر للمجلس في نظري منذ انطلاقته كان إنشاء شبكة علمية كنا في أشد الحاجة إليها.بالإضافة إلى مئات الباحثين الذين استفادوا حتى الآن من منح المجلس، والعديد من ورشات العمل التي ربطتهم ببعض عبر مختلف البلاد، يُلاحِظ كل من حضر مؤتمرات المجلس الأربعة حتى الآن التنوع الجغرافي للحضور، ونمو العلاقة والمعرفة بين المشاركين، والازدياد المتواصل للمجالات العلمية الحاضرة، والاهتمام الجدّي من قِبَل الحضور الذي نراه في النقاشات المستفيضة، والجو الرحب ممتزجًا بشكل جميل مع الحرفية العلمية.
كما نعلم، فإنّ شبكاتٍ علمية من هذا النوع تحتاج إلى الاستثمار المتواصل فيها كي تستمر في الحياة، وإلى استثمار أكبر كي تزدهر وتتوسع. ولا أعني بالاستثمار فقط النواحي المادية، وإنما كذلك الموارد المعنوية، إذ لا تقوم قائمة للعلم وشبكاته المستقلة من دون إرادة ممارسيه وجهدهم، واللذين هما جزء من الشروط السابقة لنيل الموارد المادية لمن لا يملكها سلفًا. جزء من هذه الإرادة قد يأتي من التوق إلى نوع من المعرفة المستقلة عن إرث الهيمنة الكولونيالية ولكن مرتبطة في الوقت ذاته بالمعارف العالمية. أي معرفة قادرة على الثقة بالنفس، تُنتج أسئلتها بنفسها وتُكيّف منهجيتها حسب ظروفها وتُطوّر نظرياتها من خلال ملاحظتها المتأنية لما تراه حولها، ولا تحصر نفسها في التعليق على ما يُكتب في باريس أو برلين أو أكسفورد أو نيويورك، رغم إدراكها للأهمية الخصوصية (وليس بالضرورة المرجعية) لتلك المعارف.
عندما بدأ المجلس أعماله عام 2012، كان واضحًا أثر غياب العلوم الاجتماعية عن حراك اجتماعي كبير شهدته معظم الأقطار العربية، حراك لم تتنبأ به العلوم الاجتماعية لا في الشرق ولا في الغرب، بل لم يبدُ أن هذه العلوم كانت تملك أدوات التحليل المناسبة لهذا الحراك، ولا حضورًا كافيًا يُمَكّنها من إضافة معرفة من نوع يُناسب ما كانت تتطلبه اللحظة، خصوصًا بين جمهور الشباب الذي كان يتعطش إلى مبادرات معرفية جديدة وخلاقة تتواصل مع الفعل التلقائي في الشوارع والميادين. وكما فوجئت علومنا آنذاك، فوجئت مرةً أخرى هذا العام بحراك ذي ديناميكيات مماثلة لما سبق، رغم انحصاره في بلدين هذه المرة:الجزائر والسودان. في مؤتمر المجلس في بيروت هذا العام (2019)، طَرَحَت هذه المفاجأت المتكررة نفسها كمعضلة علمية:لماذا ما زلنا لا نملك الأدوات التحليلية التي تمكننا من التنبؤ بالظواهر الاجتماعية الكبرى، أو على الأقل استكشافها بشكل أو بآخر قبل أن تبدي نفسها أمامنا؟ هل من المهم أن تملك العلوم الاجتماعية دوراً تنبُّئيًّا، أم أن هدفها العقلاني هو أن تفهم الظواهر بعد حدوثها، أو أن تحلل الواقع المعقد كما هو موجود فعلًا، لا كما يمكن أن يكون موجودًا؟ ثم إن كان هدف فهم الواقع الحاضر يتعلق باستكشاف المستقبل الممكن، فهل يأخذ هذا الاستكشاف شكلًا تنبُّئيًّا، أم شكل طرح الخيارات والاحتمالات؟
ثم إذا افترضنا أن لها دورًا تنويريًّا في المجتمع، فما هي طبيعة هذا الدور: أهو مثلًا نخبوي الطابع ("أنا أعرف ما هو الحل، وهذا هو")، أم معرفيّ بالأساس ("مسؤوليتي الأولى والاخيرة هي التعرف العلمي إلى المجتمع، وليس بالضرورة طرح الحلول")، أم تحاوريّ المذهب ("لا أطرح الحلول، ولكن الأهم من ذلك: أطرح الأسئلة، وربما أيضًا معايير الحوار حولها"). وكيف يأخذ أي من هذه الأدوار مجراه أو يبرّر نظرته، ضمن حقيقة أن العلوم الاجتماعية في أي مكان ليست مُوَحّدة الرؤية؟
أطرح هذه الأسئلة ليس للاجابة عنها، ولكن للفت النظر إلى مسائل محورية تبرز مع تَكَوّن الجماعات العلمية، تتعلق من ناحية بالأهداف التحليلية للعلوم الاجتماعية، ومن ناحية أخرى بالعلاقة بين العلم الاجتماعي والمجتمع الذي يعيش فيه هذا العلم.هذه الأسئلة تكتسب أهمية خاصة ليس عندما تُطرح بشكل مجرّد وإنما عندما تنمو عُضويًّا، أي من أرضية مشتركة، وهي هناالشبكة النامية التي تجمع العلوم الاجتماعية في العالم العربي، والتي تعطي لكل من هذه الأسئلة المحورية دورًا تشبيكيًّا وتحاوريًّا، وليس فقط دور السؤال الذي يبحث عن إجابة.
من ناحية أخرى، توضح الاجابة عن هذه الأسئلة كيف نفهم ونحدد جماهير العلم الأخرى التي يمكن أن توجد خارج الجماعة العلمية. إذ طُرحت في مؤتمرات المجلس أكثر من مرّة مقولة إن العلوم الاجتماعية ينبغي أن توجه بالاساس إلى صانعي القرار. ولكننا نعرف أن هناك جماهير أخرى للعلوم الاجتماعية في المنطقة، تشمل المجتمع المدني والمنظمات الدولية، وقد تشمل أيضًا العديد من المشاركين في الحراك الاجتماعي. فقد شمل برناج المؤتمر الأخير مثلًا اهتمامًا بالبيئات وتصميم المدن، وهي، كما هو واضح، مسائل ذات مغزى لصانعي القرار والمجتمع المدني والنشطاء الاجتماعيين في هذا المجال، بل لكل من يهمه فهم محيط حياته من سكان المدن الحديثة في المنطقة.
بناءً على ما سبق، نرى أنفسنا أمام مجموعة من الإنجازات التي حققها المجلس في خلال السنوات السابقة، والتي تحتاج إلى الحفاظ عليها وتنميتها باتجاه إنجازات أسمى. تشمل هذه الإنجازات، وما سوف ينمو من خلالها، تكوين نواة صلبة للشبكة العلمية العربية، وبوادر الأسئلة المشتركة التي يبرزها هذا الواقع المتنامي، والولوج إلى الشبكات العلمية بشكل غير تابع وأكثر مركزيةً، والاستثمار في مختلف طرائق نقل المعرفة، بما في ذلك النشر والتعليم، وتوطين العلوم الاجتماعية بشكل واعد وواثق وخلّاق ومستقل بين جماهير المجتمع المدني والنشطاء والمبدعين وصانعي القرار، متى أمكن. كما لا ننسى أهمية تنمية الإمكانيات العملية والتي لا بدّ منها في هذا العصر بين ممارسي العلوم الاجتماعية، بما ينطوي على كيفية كتابة المقترحات البحثية، والممارسات الأخلاقية في البحث، والمنهجيات الخلّاقة. كما تشمل دعم كل ما يساعد في تنمية النتاج العلمي الخام نحو علم ناضج، يجمع بين النظرية والمنهج والمعرفة بالأدبيات والمقارنة، متى أمكن. ومن خلال هذا النضج، تتكرّس المعرفة الواعدة، والثقة بالنفس، والممارسة الرصينة، والحقّ في أن يكون لنا وطن هنا.
مع خالص التقدير،
محمد بامية
رئيس مجلس الأمناء
------------------------------------------------
كلمة المدير العام
حقّق المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة العام الماضي نموًّا مُطّردًا وتطوّرًا مستمرًا بما يتماشى مع استراتيجيته الممتدة على خمس سنوات. ومن بين أبرز الإنجازات التي حقّقناها في العام المُنصرم، إطلاق ثلاثة برامج منح جديدة بفضل تعاوننا مع مؤسّسات وطنيّة وإقليميّة وعالميّة أخرى (أنظر أدناه). هذا وتواصل مجموعات العمل لدينا البحث في مواضيع حيويّة مختلفة تهمّ المنطقة؛ كما نعملُ على تعزيز أنشطة التدريب والإرشاد التي ننظّمها. والجدير بالذكر أنّ عدد أعضائنا في تزايد مستمرّ وقد تجاوز الآن الـ483 منتسبًا، ومن ضمنهم أعضاء مشاركون، وأعضاء عاملون، وأعضاء من الطلاّب. أمّا عدد المستفيدين من المنح، فبلغ حاليًّا 265 مستفيدًا من 12 دولة. في الوقت نفسه، تشهد المطبوعات والمنشورات الإلكترونية التي يصدرها المجلس العربي للعلوم الاجتماعية تزايدًا من حيث عددها وتنوّع محتواها، ونتطلّع إلى تحقيق المزيد من التوسّع والازدهار في المرحلة المقبلة.
ومن الإنجازات المهمة التي حقّقناها أيضًا في خلال العام الماضي، تعزيز مشاركة المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة في مجال العلوم الإنسانيّة. فقد تمّ إطلاق هذه المبادرة في مؤتمر ضخم عُقد في شهر أيّار/مايو 2017 في جبيل، لبنان، بعنوان "إعادة تمركز العلوم الإنسانية: نظريّات، ومناهج، وإنتاج المعرفة" بالتعاون مع المكتب الإقليمي لليونسكو والمركز الدولي لعلوم الإنسان. وتلت هذا الحدث جلسة نقاش في مؤتمر الإنسانيات العالمي في لييج، بلجيكا، في آب/أغسطس 2017. ومنذ ذلك الحين، تم العمل بشكل متزايد على دمج تخصُّصات العلوم الإنسانية في أعمال برامج المنح، وفي المرصد العربي للعلوم الاجتماعيّة، وفي عملية إنشاء مجموعات عمل جديدة.
في ما يأتي بعض أبرز إنجازات السنة الماضية:
- في ما يختصّ ببرامج المنح الجديدة:
في تشرين الأول/ أكتوبر 2017، أعلن المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة عن إطلاق برنامج زمالات ما بعد الدكتوراه قصيرة الأجل للتنقل في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية بالتعاون مع مؤسسة دار علوم الإنسان.
في نيسان/أبريل 2018، أعلن المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة عن إطلاق برنامج الزملاء الناشئين الجديد بالإضافة إلى زمالة باسم شيت لدراسة النشاطيّة بالتعاون مع مركز دعم لبنان ومؤسسة روزا لوكسمبورغ في لبنان والمعهد الألماني للأبحاث الشرقيّة - بيروت.
- في أيّار/مايو 2018، أعلن المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة عن إطلاق برنامج البحوث حول الفنون بالتعاون مع الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق).
- في ما يختص بالمنتديات:
- في نيسان/أبريل 2018، نظّم المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة منتدى البحوث الثالث في عمان، الأردن بحضور 90 مشاركًا كان من بينهم أصحاب وصاحبات المنح، وأعضاء لجان الاختيار، وأعضاء مجلس الأمناء. كما تضمّن المنتدى طاولاتٍ مستديرة شهدت مناقشات مفتوحة مع المشاركين والمشاركات، بما في ذلك طاولات مستديرة حول فرص التمويل في المنطقة العربية، وأخلاقيات البحث في العلوم الاجتماعية، والسير المهنية والبحوث والمبادرات، وإعادة قراءة نقدية للنظريات العربية، وكيفية المشاركة في أعمال المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة.
- بالتزامن مع منتدى البحوث، عقد المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة جلسة عامة حضرها جمهور كبير، تحت عنوان "العلوم الاجتماعية العربية: أين وماذا ومن؟"، وعُرضت أعمال مشروع المرصد العربيّ للعلوم الاجتماعيّة مع التركيز على محتوى التقارير الثلاثة الأولى. بالإضافة إلى ذلك، عُقد اجتماع تحت عنوان "المعرفة في خطر: الصراع، والتعاون، والأخلاقيات"وجمع 21 ممثلًا وممثلة من منظمات بحثية، وجهات فاعلة في المجتمع المدني، وجهات مانحة، وجامعات لمناقشة تأثير السياق الإقليمي العربي على إنتاج المعارفة ومجتمعات البحوث.
- في حزيران/يونيو 2018، نظّمت مجموعة بيروت للدراسات الأمنية، وهي مجموعة عمل تابعة للمجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة، المعهد الصيفي الثاني للدراسات النقديّة حول الأمن في العالم العربيفي برمانا، لبنان. جمع المعهد 17 باحثًا ناشئًا يعملون في قضايا الأمن وانعدامه في العالم العربي ومُنحوا فرصة التواصل مع الباحثين المتمرّسين في مجال الدراسات النقديّة حول الأمن بالإضافة إلى تطوير مشاريعهم البحثيّة والمضيّ بها قدمًا.
وكما تُظهر هذه الأمثلة القليلة حول أنشطة المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة، فإننا نواصل البحث عن طرائق جديدة لتنظيم التعاون البحثي وفرص التواصل والتشبيك عبر المنطقة العربية وحول العالم وذلك من خلال الِمنَح والمؤتمرات وأنشطة التدريب.
لم يسبق أن كانت العلوم الاجتماعية بهذه الأهميّة بالنسبة إلى المنطقة العربية كما اليوم. يحتاج الباحثون إلى تطوير أساليب ومنهجيات مدروسة، مع السعي إلى إيجاد طرائق جديدة لنشر نتائج أبحاثهم وعرضها على جماهير متنوّعة.
ونحن نتطلع إلى التعاون معكم في مختلف أنشطتنا. كما نرحب بتعليقاتكم وأفكاركم، ونشجعكم على الانضمام إلينا رسميًا كأعضاء في عائلة المجلس العربي للعلوم الاجتماعيّة.
مع أطيب التمنيات،
ستناي شامي
المدير العام
حقوق النشر © 2019
المجلس العربى للعلوم الاجتماعية
سياسة الخصوصية
شروط الخدمة
المجلس العربى للعلوم الاجتماعية
بناية علم الدين، الطابق الثاني
شارع جون كندي، رأس بيروت
بيروت – لبنان
هاتف :214 370 1 961
فاكس :215 370 1 961
بريد الكترونى: admin@theacss.org